ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب - إعداد: مقداد عرفة منسية

    الكاتب: بلقاسم شعباني القسم: »
    تصنيف

    كان ابن رشد بمعارفه الموسوعية، نموذجاً للعالم في عصور ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، فقد كان الفقيه والفيلسوف والطبيب، وكان الفلكي وكان الشاعر وكان المجتهد، وقد اتفق ابن رشد، خاصة، العلوم الشرعية عقيدة وكلاماً وفقهاً وأصولاً، وأخذت فلسفة أرسطو بلبه فانبرى يشرحها ويناقشها ويقربها للناس، ويبغي سبل التوفيق بينها وبين الشريعة. ولم يكن ابن رشد في ذلك كله مجرد رواية ينقل عن الآخرين، فقد جمع واختصر ولخص وفسّر، ولكنه وراء ذلك كله، كان يحلّل ويمحّص ويضيف ويطلع بأحكام ونظريات وآراء من عنده.
    وكان لابن رشد فيمن بعده الأثر الواسع البليغ، ليس في المحيط العربي-الإسلامي فقط، بل وفي المحيط الإنساني، وخاصة في الغرب اللاتيني، فما أن ترجمت شروح ابن رشد على أرسطو إلى اللاتينية في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي حتى تلقتها الأيدي في الغرب، ولم يعد في وسع المشتغلين بالفلسفة الأوسطية، الاستغناء عنها. واكتسب ابن رشد صفة "الشارح" بدون منازع. وفي مواجهة هذا التراث الفكري الضاغط لم يكن للمنشغلين بالفكر في أوروبا أن يقفوا من ابن رشد على الحياد، بل كان منهم حزبان: حزب عرف بالرشدية اللاتينية انتصر لتعاليم "الشارح" وحزب من رجال اللاهوت حارب هذا الإرث الفكري، فأصدرت الكنيسة أوامر بتحريم بعض وصفات ابن رشد، ومع ذلك استمر الفيلسوف العربي المسلم حيّاً بين الناس قوي الحضور يثير الجدل ويستفز الفكر ويغذي حركة العلم الإنساني.
    ذلك أن ابن رشد قد فرق بين العقيدة والفقه، أي بين ما نزل به الوحي، وما هو من اجتهاد البشر. ويكون بذلك قد فتح ثغرة في البناء الذي رفعه فقهاء محترفون سخروا معارفهم لخدمة حكام لم يترددوا في تسليط القمع على كل مجتهد حر. وذلك بعض ما يفسر المحنة التي تعرض لها. ولأن ابن رشد كان كذلك، وظل كذلك إلى يوم الناس هذا، فقد تداعت الأوساط العلمية عربية، وغير عربية، إلى أحياء ذكراه فعقدت الندوات ونشرت البحوث والدراسات تستجلي معالم سيرة الفيلسوف العربي وتتلمس آثاره الباقية، وتستدعيه للإدلاء بشهادة عن العصر الذي نعيشه اليوم، إذ يبدو وأن البشرية، رغم كل ما حققه من تراكم معرفي وفتوحات فكرية، ما تزال بحاجة إلى قراءة ابن رشد والإنصات إليه، وقد مرت 8 قرون على رحيله.
    وفي هذا السياق بادرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى تنظيم ندوة حول "حداثة ابن رشد" ثم إعدادها وتنفيذها بتعاون وثيق مع المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة) الذي استضاف أعمال الندوة في مقره بقرطاج أيام 16-21/2/1998م. وضمت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة جهدها إلى جهد المنظمة العربية، وكان لليونسكو كذلك حضور مقدر، فاكتسبت الندوة بعداً عالمياً يليق بالذكرى وصاحبها، وفتاوى إليها عشرات الخبراء الراشدين، من العرب وغيرهم، فجاءت الأبحاث رصيفة متنوعة، تكشف ثراء التراث الرشدي، فلسفة وعقيدة وكلاماً وفقهاً وطباً وفلكاً وتضع في ميزان النقد والتحليل أثره البالغ في أوروبا اللاتينية، وفي أوساط علمية أخرى ممتدة، وتتساءل عما يمكن لابن رشد أن يقدمه للفكر العربي المعاصر... وقد أتاح الاحتفاء بابن رشد الفرصة لنشر أعمال جليلة منها كتاب "النفس" وكتاب "ابن رشد الفيلسوف العالم" للأستاذ عبد الرحمن التليلي، وقد نشرته المنظمة كما نشرت عدداً خاصاً من المجلة العربية للثقافة تضمن دراسات رشدية متميزة. وهاهي المنظمة تنشر في هذا الشعر مجموعة أبحاث ندوة ابن رشد، بدعم من المجمع الثقافي بدولة الإمارات العربية المتحدة وذلك تحت عنوان "ابن رشد فيلسوف الشرق والغرب من الذكرى المئوية الثامنة لوفاته". والكتاب بشكل عام جاء ضمن جزئين: عالم الأول منهما مجموعة مسائل حملت العنوان التالي. فكر ابن رشد الفلسفي والديني والعلمي، أما الجزء الثاني فاختصر لعرض المحاضرات التي تحدث فيها المؤتمرون من ابن رشد والفكر الإنساني، ومن هذه المقالات نذكر: ابن رشد قارئاً للإرث اليوناني والعربي، الرشدية في العصر الوسيط، النصوص والقراءات والدراسات الرشيدية، ابن رشد حاضراً ومستقبلاً.
    http://www.4shared.com/office/PVYeBa1Yce/____.html
     

    ضع تعليق